test
test
test
النهضة فكرة قرآنية أسسها الله تعالى لترسم معالم الإنسان في أبعاد كثيرة، تبدأ في معراجها نحو النهوض من دائرة الذات وتتسع هذه الدائرة إلى الأسرة، ومن ثم تأخذ في اتساعها أبعادا تشمل المجتمع ومن ثم الدولة بحدودها الجغرافية الخاصة والخارج جغرافية أي دولة الإنسان. والنهضة متصلة اتصال عضوي وظيفي بالتغيير ببعده الإيجابي، كونها كفكرة تكتنز في عمقها الحركة وليس الركود، والحركة باتجاه تصاعدي، وهي من مقومات التغيير – أي الحركة – ومن مصاديق الحركة التصاعدية المقاومة التي تعني رفض ومواجهة كل ما من شأنه سلب مقومات إنسانية الإنسان، وهي الحرية والإرادة والاختيار، سواء بالاستبداد أو الفساد الذي يعيق نهضة الإنسان والمجتمعات والدول، أو بالاحتلال الذي يسلب المقدرات والثروات والمقومات ويهدر الطاقات فيمنع النهضة كونها مقوضه لوجوده ومانعة لهيمنته. (2)
لذلك انتشرت الدعوات للاهتمام بالمكانة التي يشغلها المتلقي ،في عمق مهام ووظائف الخطاب المنبري الديني (والحسيني )وهذا الاهتمام مرده الى أهمية متزايدة للمجالس الدينية في عمليات انتاج وعي ديني عال ، من خلال تلقي المنتوج الخطابي الاعلامي ووسائله المختلفة عبر الوسائل المتاحة ، ويبدو ان التطورات المختلفة لوسائل الاعلام قد أدت الى ظهور تغيرات في عمليات الاتصال المنوعة التي تستهدف تكوين الآراء والافكار، وما يدخل في التوجيه والتثقيف, بعد انهيار الحواجز الثقافية بين البلدان والاُمم وظهور الجوانب التقنية كحتمية واضحة ، وانتشار مفهوم الثقافة الجماهيرية التي تم النظر اليها فيما بعد على انها متغير سلبي ومجيء التكنلوجيا متغيرا جديدا وحتميا فاصبح المتلقي صاحب الارث الاكبر في التبادل والتفاعل اللحظي , ليس ببعيد عن اية وسيلة ما توفر أي فرصة لملاحقة المتلقي وجذبه لرصد تفاعله واهتمامه وتأثره بالمضامين الذي يتعلق بأحقية المتلقي بالاستفسار من خلال ردات الفعل والاستجابات التي تصدر منه (كمتلقي), ليس عن طريق الاتصال المباشر فقط وانما بمختلف الوسائل ، بمعنى ان الجمهور اليوم (الفرد) هو بحاجة الى حرية اكبر في أخذ رأيه ميدانياً حتى يمكن الوقوف على متطلبات الخطاب اليوم؟
لقد سعت العلوم المتعلقة بالتواصل ، الى المساهمة في تعميق فهم نشاط الانسان ضمن محيطه المعرفي الخاص بثقافته الدينية لذا تتدرج التطورات النظرية الوصفة للظاهرة الاتصالية في أطار التفاعل بين المتواصلين فاذا كانت افادة التواصل تحقق موقعين تركيبين ( مرسل ومتلق ) (وبنيتين وظيفتين ) مسندتين ( انتاجي وتأويلي ) فيما يتعلق بالإنتاج ينطبق على المرسل ويظل على المتلقي جانب التأويل والتفسير(3) اذا ابتعد المتلقي من الدائرة العقلية في ( المتلقي السامع ) بحكم كون الخطابة القديمة هي مسموعة واستقبالها شفاهيا في الازمنة التي غابت عنها وسائل الاتصال فيما المتلقي اليوم يفكر ويجيب ويناقش وأن يدحض أو أن يساند وبالتالي تتم المحاورة في اتجاهين مختلفين ، فالمتلقي اليوم هو امام نصوص جديدة وخطابات جديدة منها :
وعليه فان المتلقي قديما، قد حرم من تلك الوسائل وتأثيراتها، وظل خياله مستعدا لتفسير وفق الطاقة التفسيرية التي يجيدها، متأثرا بالإطار المرجعي والتفاعل الاجتماعي الذي يحيط به، وهذا قد أفقد المرسل تلك الاشارات المتواجدة اليوم والتي لا يمكن التغاضي عنها في ردع الخطاب الثقافي المضاد عبر مختلف الوسائل لنوع المضمون المرسل. ولذا لابد من التعريج على بعض المعطيات المتعلقة بتطور الخطاب ومنها:
حيث نمت تلك التطورات التكنولوجية امام المتلقي فيما ظلت الخطابة تعتمد متغيرا بسيطا في ادخال الشروط الاجتماعية والانفتاح الحضاري الذي اصاب الذائقة للمتلقي فعبرت تلك الانجازات في حقول الاعلام والاتصال هذه العلاقة التبادلية في الاتصال متناسية المهارات التي بات يملكها المتلقي، حيث ينتج المرسل استنادا على مصادر معلوماته رسالة لغوية يسنها في علامات يفككها المتلقي للتفاعل مع الافكار المرسلة.
لقد فرض المتلقي نفسه كمتغير بارز في هذا السياق بين التقنية والابداع بمختلف اشكاله وتظهر انه المتعدد وخاصة في عملية انتاج الرسالة مما ادى الى الكثير من المتغيرات الجوهرية التي طرأت في بناء الخطاب الاعلامي، فالتلقي يشكل نشاطا انسانياً لتكوين المعنى نتيجة استقبال الاشكال المختلفة، مثلما يلعب الانتباه دوراً هاماً في هذه المرحلة، حيث يقع على عاتقه باختيار واقصاء وافكار معينة من اجل الفهم والادراك وهذا يرتبط ب ثلاث معطيات (4)
وحين يتعامل الخطيب الديني منطلقا من المنبر وعبر منصات الاتصال المختلفة فانه يستشعر في الاصل العلاقة الجدلية عبر تأثر المتلقي به وتأثيره به، فهو يعمل على استثمار الحواس مركز على دوائر العقل وعاطفته وتفعيل الذاكرة بصناعة انزيمات التأثير محركا مخيلة المتلقي فاتحا مجالات التأثر من خلال التركيز على هذا الارتباط والانفعال وقراءة عقل المتلقي واستفزازه بشكل علمي وعاطفي. والمتلقي هنا سواء كان يباشر اتصالا مواجهيا او عبر وسائل الاتصال فانه يستخدم هنا مستويين من الاتصال (الاتصال الذاتي النفسي وهو يقرر الاستمتاع بالقراءة او بالمشاهدة او بالاستماع ) وهنا يكون على المتلقي ان يتخذ قرارا سريعا بالاستمرار بفعل التلقي او انهائه ,حيث السلطة الوحيدة التي تجعل المرسل قادرا على الجذب هو شحن الرسائل العقلية والعاطفية بما يتلاءم والوعى والدرجة العقلية والعلمية ومستوياتهم المعرفية الموجودة ,ان المنبر الديني اليوم يواجه تنافسا حادا معرفيا وثقافيا وان كان يتكأ على المنهج التقليدي العقائدي المعروف عنه بسبب نوع وشكل وتقليد الرسالة (المحتوى ) , ومنها سبل المجازفة بمعارف وبيانات تشكل خطأ معلوماتيا لم تثبت صحته وان كان مشحون عاطفيا ومؤثرا (امثلة كثيرة يتم تناولها عبر وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي بدأت تشكل انحرافا ذوقيا خطيرا في النقل ) ,ان الجمهور اليوم يبدا بفرز انواع متعددة في الحياة اليومية والصراعات النفسية والاجتماعية التي يعيشها، لكونه جزءا منها ويتأثر بها عبر المنصات الإعلامية المنوعة ,وهذا بحد ذاته مشكلة كبيرة اذ بسبب التمويل ظهرت فضائيات ومنصات فيس بوك تظهر ان عددا كبيرا من هذه المنصات ,تتجرأ وتستعجل بنشر خطباء منبر مغمورين بظل التراشق الإعلامي الديني مما يصبح مادة خلافية يتم نشرها مرة أخرى لصنع فواصل ثقافية منجرفة نجو التسطيح والتجهيل مستغلة تطورات تكنولوجية عالية الجاذبية ومن خلال الاشكال المقدمة المنافسة يجد المنبر الديني نفسه يواجه تلك الاشكالية التي بدأت تضع اسسها اليوم في ادراك الجمهور ووعيه ؟ نحن نبحث عن حق الجمهور كمتلقي في تفهم واختيار نوع الرسائل المبثوثة ,ان الجمهور اليوم هارب بشكل حتمي من الدائرة التي وضع الخطاب الديني بعضه (داخلها ), مما حرم الجمهور من نوعية وكثافة الصور التي تكتنزها الموضوعات الدينية وغيرها . ولايعني اغفال الدور المتعاظم للمنبر الحسيني بصناعة أجيال من الشباب المؤمن بقضية الامام الحسين ع منهجا حياتيا اصيلا ,ولاابالغ في ان اشير الى تعاظم معاني هذه الثورة الحسينية انما ترجع الى المنبر الحسيني بالمقام الأول كشعيرة الهية واجبة الاحياء ,لأنها سبيل علمي وديني مبدع واخاذ لأحياء امر اهل البيت عليهم السلام .
ومن المعلوم ان الجمهور متعدد المناشىء والثقافات ومستويات التعليم وهذا الجمهور تتنوع فيه مختلف الاعمار والاجناس والمهن والطبقات الاجتماعية والمهن المختلفة كل هؤلاء الذين ينتظرون ان يدخل الى بيوتهم صوتا يعبر عنهم وخطابا اقناعيا يدفعهم الى تحفيز مشاعرهم نحو عظم المصيبة والحدث الجلل في استشهاد الأمام عليه السلام , ولابدّ هنا من ملاحظة أنّ الذين يعتمدون في منابعهم الفكرية على الطريقة الحداثوية في تحليل النصّ، ومناقشة الدين بموضوعية صرفة ، وعدم التقديس لما هو سائد، إلّا ما كان متّصلاً بكتاب الله الكريم فقط، هؤلاء يحتاجون إلى لغة أُخرى في الخطاب، أو بتعبير أدق: هؤلاء لا تؤثّر فيهم اللغة الدراسية بطابع المنطق الأرسطي المتعارف لدى كثير من الدارسين الدينيين، بل هنا تفشل اللغة في إيصال الفكر الحسيني، ومرامي النهضة الحسينية.. والخلل ليس في النهضة، ولا في ثقافة هذه النهضة الحسينية، بل في طريقة الإيصال، أو في استعداد المتلقّي، فكيف لو أراد الخطيب أن يتخطّى بتأثيره الوعظي الإقناعي دائرته المحلّية؟ أو قرّر أن يكون خطابه حضارياً عالمياً.. فكيف ينجح (5)
مَن لم يأخذ الخطابة الحسينية على تمام أُصولها، ومَن لا يمتلك كامل أدواتها، فيقع في صعوبات جمّة، أو يقع في مطبّات من سوء الفهم لدى المتلقّين، أو قد يؤسّس لأفكار خاطئة، أو قد يُشوّه حقائق من حيث لا يشعر، لا لشيء إلّا لأنّه لم يتثبّت تماماً في دقّة النقل، أو لم يرجع إلى مصادر موثوقة للأخذ منها عن حادثة ما، أو كلام ما، ينقله إلى الناس.. فضلاً عن مشكلة ارتجال الكلمات، فيقع فريسة عدم الدقّة في الدلالة، وقد تكون الدلالة مقلوبة تماماً، أو تُشير إلى غرض آخر، ومعنى مخالف، في إنتاج خطاب حسيني حضاري عالمي، يكون بمستوى المسؤولية التاريخية، والتلقّي الجديد، خاصّة مع دخولنا الناجح إلى قلب التاريخ الإنساني من خلال استشهاد الحسين واصحابه، وتأثيرنا العميق في تشكيل ذهنية نابضة بما يُنير العقل، ويضيء الوجدان، ويلبي احتياجات الروح الظمأى لقيم الخير والجمال والنور.. وليكن الحسين هو الرمز الأثري في الخطاب العالمي المعاصر، كما كان كذلك على امتداد مراحل التاريخ، كلّ التاريخ.
توصيات :
test